Feminism

المرأة في الدولة العثمانية إبان ظهور النسوية الغربية

Many thanks to Mohamed Abdel Maksoud for translating Zara Faris’ article, Ottoman Women During the Advent of Western Feminism from English into Arabic


photo

“في الشوارع ترى نساءا بقدر ما ترى رجالا، إن لم يكن أكثر (ذاهبات لقضاء احتياجاتهن اليومية إلخ) (…) اعتقد أني لم أرَ بلداً تتمتع فيه النساء بمثل هذه الحرية بغير لوم من المجتمع كتركيا (…) الأتراك مثال للأمم في تعاملهم مع بنات جنسنا (…)  وأكررها، سيدي،  اعتقد أني لم أرَ امرأة تتمتع بمثل هذه الحرية بغير لوم من المجتمع كالمرأة التركية – وأعتقد أن باستطاعتهن أن يكن أسعد المخلوقات باسلوبهن في المعيشة.”

– السيدة إليزابث كرافن، رحلة عبر القرم إلى القسطنطينة، 1789 [1]

السيدة إليزابث كرافن،الأديبة والكاتبة المسرحية من القرن الثامن عشر، دونت هذه الملاحظات عن المرأة في الخلافة العثمانية (وهي دولة إسلامية) في سنة 1789، قبل ظهور الحركة النسوية في أوروبا وقبل ثلاثة أعوام من نشر كتاب “اثبات حقوق المرأة” لماري ولستونكرافت (سنة 1792)، الكتاب ذو الثلاثمائة صفحة الذي سيصير حجر الأساس والنذير للحركة النسوية الحديثة.

ملاحظات السيدة  إليزابث كرافن واخرين، مع سجلات قضائية ومالية وسياسية، تكشف أن المرأة في الخلافة العثمانية تمتعت بحرية وحماية أكبر من نظيرتها الغربية ما بعد التنوير، اللافت للنظر أن هذا بدون الحاجة للنسوية. ومع ذلك، لا يسع النسويات اليوم جهدا أن يقنعن النساء المسلمات بالعكس: أن المرأة المسلمة لطالما عانت بسبب اﻹسلام، وفي تحريف فكري غريب، يروجن للنسوية كحل لمشاكل العالم الاسلامي.

ينظر المقال لأحوال المرأة تحت الخلافة الاسلامية التي استمرت حتى سنة 1924 – الخلافة العثمانية – ويقارن أوضاعهن بالأوضاع الغربية التي أدت لظهور النسوية في الغرب. كما سنرى، التطورات الحديثة للخلافة العثمانية توضح أنه تاريخياً لم تحتج المرأة في العالم الإسلامي للنسوية قط لكي تضمن حقوقها – بل انهن ببساطة احتجن للتنفيذ الكامل لنظامهن العقيدي – الإسلام.

البلد المسلم والدولة اﻹسلامية

قبل الدخول في المقارنة، من المهم أن نلاحظ الفارق الرئيس بين البلد المسلم والدولة اﻹسلامية. الخلافة العثمانية كانت دولة إسلامية – بمعني ان الشريعة  اﻹسلامية كانت المصدر الأعلى للتشريع – لأكثر من 600 سنة وحتى سقوطها في بداية القرن العشرين. استمد العثمانيون من الشريعة إطارهم القانوني لحوكمة الجوانب العامة والخاصة للحياة اليومية، بما في ذلك الانشطة الشخصية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، مدنية أو جنائية. الشريعة كذلك مكنت العثمانيين من تضمين وحماية النساء في إفريقيا وأوروبا وآسيا – بما في ذلك يهوديات ومسيحيات ومسلمات من أناطوليا واليونان وشمال  إفريقيا وغرب آسيا وشبه جزيرة البلقان.

البلاد المسلمة اليوم على الجانب الآخر مثل باكستان وبنجلاديش وأفغانستان وتركيا ومعظم الشرق الأوسط هي بلاد علمانية وليست إسلامية – بمعني أن دساتير هذه البلاد تضع الشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع من مصادر كثيرة مما بعد الاستعمار. في غير ذلك، هذه البلاد علمانية وفاسدة واستبدادية ولا يمكن النظر اليها كمثال لتطبيق الإسلام. في الواقع فإن انشاء الدولة الاسلامية في تلك البلاد سيحرر رجالها ونسائها.

الأوضاع القانونية

كان الوضع في الغرب أن المرأة بمجرد زواجها تسقط عنها شخصيتها القانونية (واسم عائلتها)، فلا تستطيع أن تُقاضي أو تُقاضَى، ويتولى زوجها المقاضاة نيابة عنها اذا لزم.

في انجلترا وأكثر المستعمرات الناطقة بالانجليزية، صنف قانون “الغطاء” النساء حسب أحوالهن الاجتماعية. لم يكن للمرأة المتزوجة شخصية قانونية منفصلة عن شخصية زوجها. بمجرد الزواج، تندرج تحت شخصية زوجها القانونية، وتعرف السيدة متزوجة بمصطلح feme covert (المعنى حرفياً سيدة “مغطاة”). كان هذا المفهوم القانوني سائدا في الغرب من حوالي القرن الثاني عشر حتى منتصف الى نهاية القرن التاسع عشر، وهي تقريبا نفس فترة وجود الامبراطورية العثمانية.

 

بالزواج يصير الزوج والزوجة شخصاً واحداً في عين القانون: أي أنه يتم تعطيل كينونة ووجود المرأة القانوني خلال الزواج، أو على الأقل يتم تضمينة ودمجه مع الكيان القانوني للزوج الذي يتم تحت جناحه وحمايته وغطائة كل اجرائاتها القانونية… 

– ويليام بلاكستون، قانوني وقاضي انجليزي من القرن الثامن عشر، في شرح الغطاء. [2]

كان الغطاء سلاحاً ذا حدين أعاق حياة المرأة والرجل على السواء – حيث أن حرمان الزوجات من ارادتهن الحرة منع كذلك مسائلتهن. على سبيل المثال: لم تستطع المرأة المتزوجة رفع دعاوى قضائية باسمها، لزم على زوجها فعل ذلك نيابة عنها، لكن هذا يعنى أيضاً أنه لو أراد شخص تحريك دعوى ضد الزوجة، تتم مقاضاة زوجها نيابة عنها. إزاحة المسؤلية القانونية من المرأة إلى زوجها كان حتى موضع سخرية في الأدب اﻹنجليزي. في “أوليفر تويست” لتشارلز ديكنز علم السيد بامبل أن “القانون يفترض أن زوجتك تتصرف تحت إمرتك”، وكان رده “اذا كان هذا افتراض القانون (…) فان القانون وغد – أحمق. إن كانت تلك عين القانون، فان القانون لم يجرب الزواج. وأسوأ ما اتمنى للقانون أن يتعلم عن الزواج بالتجربة – بالتجربة.” [3]

اقتصر الغطاء على الأحوال المدنية لا الجنائية. كما نعلم ، كانت انجلترا والمستعمرات الأمريكية لا تزال تتخلص من حرق النساء في جرائم الخيانة والسحر – استمر هذا لتاريح في حداثة 1764 [4]. برغم اقتصار الغطاء على القانون المدني، الا انه من المثير للاهتمام أنه في تاريخ قريب كـ 1972، سمحت ولايتان أمريكيتان لزوجة متهمة في قضية جنائية بالدفع أنها كنت تطيع أوامر زوجها [5]

في نفس الفترة الزمنية، كان للمرأة في الخلافة العثمانية وجود قانوني بغض النظر عن حالتها الاجتماعية. لهذا السبب كانت العثمانيات  من غير المسلمات يفضلن المحاكم الاسلامية على محاكمهن الخاصة.

عند البلوغ كانت الخلافة العثمانية تعتبر المرأة، كما الرجل، فردا من رعايا الدولة لها كيانها القانوني المستقل بحسب الشريعة الاسلامية. احتفظت المرأة بكيانها القانوني بغض النظر عما اذا كانت متزوجة أو عزباء[6] . احتفاظ  المسلمات باسماء عائلتهن بعد الزواج يؤكد استقلال هويتهن.

كان للنساء -كما للرجال- حقوق قانونية واسعة تشمل على الحق في رفع الشكاوى والمطالبة بالحقوق عند القاضي الاسلامي، وهذا بصفتهن المستقلة. لم يحتجن لقريب مذكر. حقيقة، كان بامكانهن اتخاذ اجراءات قانونية ضد ازواجهن أو أقربائهن من الرجال لو أردن. استخدمت النساء في الدولة العثمانية، على كل المستويات، في القرى و في المدن، نظام المحكمة الاسلامية للدفاع عن مصالحهن وفي أغلب الحالات أيد القضاة حقوقهن القانونية والملكية. [7]

في الواقع، كان ينظر للمحاكم الاسلامية على أنها مفضلة للتعامل مع الشئون الخاصة بالنساء، لدرجة أنه حتى النساء العثمانيات من غير المسلمات كثيرا ما فضلن التقاضي في المحاكم الاسلامية برغم أنه، تحت حماية الخلافة العثمانية، كان لكل دين الحق في ان اجراءاته الدينية والثقافية الخاصة؛ حيث نعم كل دين بحكم ذاتي ثقافي وقانوني، وادارة شئونهم الداخلية تحت حكم قيادة من هيئاتهم الدينية. [8]

النشاط الاقتصادي

لم يكن للنساء في الغرب حكم على ملكياتهن الخاصة بعد الزواج، يتولى الأزواج مسئولية رعاية الممتلكات ودفع الديون.

كان مقصد فقة الغطاء أنه بما أن الزوج والزوجة يصيران شخصا واحدا، فان الزوجة لم يعد لها الحكم على ملكيتها الخاصة، ولزوجها الحق في استخدام وانفاق ممتلكاتها بدون اذنها اذا لم يتفقا على غير ذلك قبل الزواج.

بهذا لا تستطيع الزوجة ابرام العقود. في القرن التاسع عشر، حال أستطاعة الزوجة التصرف في ممتلكاتها (باذن من زوجها على سبيل المثال)، لزم اجراء “تحقيق سري”  بواسطة قاضي (في غياب زوجها) لتحديد اذا ما كان زوجها يدفعها لامضاء الوثيقة. كان ينظر لهذا الاجراء كوسيلة لحماية ممتلكات المرأة المتزوجة.

على الجانب الاخر، لأن القانون نظر للزوجين كشخص واحد، فان الزوج كان ملزما قانونا باعالة زوجتة كما يعيل نفسه. هذا يعني أيضا أنه اذا ما تزوجت امرأة وعليها ديون، فان الزوج يصبح المدين وعليه السداد، لا الزوجة.

استمر هذا في بريطانيا حتى “ميثاق أملاك المرأة المتزوجة” في 1870 الذي غير القانون ليعطي الزوجة الحق في الامتلاك والشراء والبيع والتقاضي والمسئولية عن ديونها الخاصة.

في تلك الاثناء ، كانت المرأة في الخلافة العثمانية دائما مستقلة وفاعلة الى حد أنه في بعض الصناعات، لجأت النقابات للدولة للتدخل ضد احتكارات النساء.

“صِفت الزوجة التركية بأنها جارية أو متاع مملوك للزوج بينما لم تكن أي من ذلك. بل إن وضعها القانوني أفضل من نظيره لأغلب الزوجات في أوروبا، وحتى تطبيق تشريعات حديثة نسبيا، فان الزوجة الانجليزية عوملت كمتاع أكثر من الزوجة التركية حيث كان للأخيرة سيطرة مطلقة على ملكيتها. أعطاها القانون حرية التصرف في أي شئ في ملكيتها وقت الزواج، أو ما ترثه بعد ذلك. يمكنها توزيع ملكيتها أو منحه لمن تختار. في عين القانون نُظر اليها كانسان حر. يمكنها التصرف باستقلال عن زوجها، يمكنها المقاضاة والخضوع للتقاضي بدون اعتبار الزوج. في هذه النواحي فانها تتمتع بحرية أكبر مما لدى قريناتها المسيحيات”

– ز. داكيت فيريمان، 1911

من الحقوق الاسلامية التي تمتعت بها المرأة تحت الخلافة العثمانية الحق في الميراث والتملك والادارة والتصرف في الممتلكات بحسب ارادتها الخاصة دون استئذان والدها أو زوجها. بعبارة أخرى فانه كانت يحق للمرأة العثمانية ادارة ثروتها الخاصة، ولقد استخدمت هذا الحق الى حد كبير.

حقيقة، فان المرأة لعبت دوراً أساسيا في الاقتصاد العثماني، تضمن هذا تملك الأراضي والاقطاعيات العسكرية، الاستدانة والتمويل، تحصيل الضرائب، المشاركة في الأعمال. نساء عثمانيات من كافة الخلفيات كن يتاجرن في الاسواق بصورة شائعة. [9]

من الموثق تاريخياً أن النساء العثمانيات من الطبقات العليا (اللاتي كن غالبا محتجبات خلف الأستار) لم يتعاملن مع الرجال مباشرة، وكان الانطباع عند الناظر الأجنبي أنهن “مجبرات” على استخدام موظفين ووكلاء ليتصرفوا نيابة عنهن. دفع هذا بعض الناظرين للتعليق بتعاطف غريب، كأنما هناك قهر على تلك النساء المترفات، برغم حقيقة كونهن ذوات أعمال ذوي شأن كبير في حوزتهن كثير من المحلات في السوق [10]. يالسوء طالع تلك النساء الاتي اضطررن لتشغيل موظفين لتسيير أعمالهن! كذلك كان لتلك النساء ذوات الشأن تأثير أقوى خلال رعاية مشاريع معمارية مهمة.

كانت النساء في الخلافة العثمانية منخرطات في الأعمال اليدوية وصناعة الحرير وغزل القطن.  في الموصل، كانت صناعة الخيوط القطنية تجري في البيوت الى حد كبير وبعمالة جزئية. وجاء وقت احتكرت فيه النساء هذه الصناعة الى حد أن نقابات الغزل اضطرت لطلب تدخل الدولة ضد هذا الاحتكار. [11]

لعبت المرأة العثمانية دورا أساسيا كذلك في توزيع الثروة، وخلال القرن الثامن عشر كونت النساء العثمانيات من 20% الى 30% بالمائة من كل المؤسسات والصناديق الخيرية (الأوقاف). مولت النساء بناء مدارس ومستفيات واستراحات قوافل وحمامات عامة ونوافير وموائد للفقراء وخانات ومساجد بطول الأمبراطورية من ممتلكاتهن الخاصة للمصلحة العامة. [12]

المشاركة السياسية

لم تعرف بريطانيا حق التصويت للرجال و النساء حتى 1928.

كان حق التصويت مقصورا فقط على الأغنياء من الرجال في بريطانيا، مما استبعد أغلبية الرجال وكل النساء. في 1918 تم منح حق التصويت للرجال فوق سن الـ21 والنساء فوق سن ال30، ثم تمت توحيد سن التصويت للرجال والنساء لـ18 سنة  في 1928.

بينما كان الرجال والنساء في الخلافة العثمانية ممارسين للسياسة.

تحت الخلافة العثمانية، كان للمرأة كما للرجل الحق في رفع العرائض للديوان – المجلس الذي ناقش فيه الوزراء سياسات الدولة، وكان للرجال والنساء الحق في ارسال اقرارات الولاء (ما يناظر التصويت) للخليفة العثماني.

كان الفصل بين الرجال والنساء شائعاً بين العائلات ذات الطبقات الراقية، بينما النساء من الطبقات الدنيا كن عموماً أكثر حرية في الحركة، جزئياً بسبب انخراطهن في الشئون الاقتصادية [13]. مثلا، كان هناك اعتقاد شائع بين الأوروبيين أن النساء من الطبقات العليا مقهورات ومقيدات. في الحقيقة أنه في أواخر القرن السادس عشر، كانت الخلافة العثمانية معروفة باسم “سلطنة النساء”، حيث أصبح لوالدات السلاطين ولنساء البلاط نفوذ وتأثير من وراء حجب وستائر الحريم. برغم أن الحريم لم يكن مفهوما اسلامياً قط، الا أن سلطنة الحريم توضح بقوة أن وجود النساء خلف الأستار والحجب لا يعني أن دورهن بالمجتمع محدود.

الحياة الاجتماعية

لم يكن للرجل أو المرأة الحق في الطلاق في الغرب، وإن توفر لهما المال الازم للانفصال القانوني، فإن الزواج من جديد كانت عقوبته الموت.

لم يكن الطلاق مُشرعاً حسب القانون الانجليزي حتى قانون القضايا الزوجية في 1857 حيث مكن شكلاً من أشكال الانفصال من خلال عملية فسخ معقدة أو من خلال تمرير قانون خاص في البرلمان (مما استلزم مناقشات طويلة على المشاع في مجلس العموم عن الحياة الخاصة للزوجين). كلا الاجرائين كانا مكلفين، لذا كان هذا الانفصال القانوني مقتصراً على ذوي الثروة.

ليس هذا فقط، بل كان ممنوعا الزواج مجددا على الأزواج والزوجات المنفصلين. في البدء كان تعدد الأزواج محرماً وتعاقب عليه الكنيسة، ثم في 1604 أصبح جريمة قانونية عقوبتها الموت. [14]

في ذات الأثناء في الخلافة العثمانية، فإن تعدد الأزواج كان نادراً، وكان الطلاق، رغم كونه الملاذ الأخير، يمكن اجراءه بطلب من الرجل أو المرأة.

“يحكم الأتراك البلاد، ونسائهم تحكمهم. المرأة التركية منطلقة ومتمتعة أكثر من أي امرأة اخرى. تعدد الزوجات غير موجود. لابد أنهم جربوه ثم أقلعوا عنه لأنه أثار متاعب وغرامات كثيرة.”

– زاومون شفايجر، قس بروتستانتي ألماني سافر إلى الامبراطورية العثمانية في نهاية القرن السادس عشر.

كانت معظم الزيجات مرتبة عن طريق العائلة، مما يؤكد أهمية العائلة في المجتمع العثماني. كان للمرأة في الخلافة العثمانية الحق في رفض طالب يدها، وكانت عقود ما قبل الزواج متداولة. كان تعدد الزوجات مسموحاً حسب الشريعة الاسلامية، ولكن عملياً كان نادراً حين كان فوق ال 95% من الرجال متزوجين من واحدة فقط. [15]

رأى المشرع العثماني “أن الزوجين يتمتعان بحقوق متبادلة، عوضاً عن حقوق متماثلة” [16]. مثلاً، كان على المرأة المتزوجة في الخلافة العثمانية طاعة زوجها الذا اختارته بإرادتها – ما لم يأمرها بسوء أو حرام – على أن الأوضاع القانونية والسياسية والاقتصادية للمرأة توضح أن الرجال المسلمين لم يكونوا متحاملين أو متسلطين على زوجاتهن. والأكثر من ذلك، لأن الرجال في عين القانون مسئولين مالياً عن إعالة النساء والأطفال، فإن اجراءات الطلاق للرجال كانت مختلفة عن نظيرتها للنساء، برغم حق كليهما في طلب الطلاق. عملياً كان لنساء الخلافة العثمانية مرونة كبيرة في انهاء زواج غير مرغوب. في القرن الثامن عشر في اسطنبول، مثلاً، كان طلب المرأة للانفصال والفسخ والطلاق شيئاً شائعاً لدرجة سببت قلقاً للناظرين للمجتمع. لأن الزواج كان اتحاد عائلتين عوضاً عن شخصين، فإن الطلاق كان مؤلماً بغض النظر عمن طلبه، لكن الطلاق مع ذلك كان متاحاً للرجل والمرأة. [17]

تضمنت أسباب الطلاق القانونية عدم التوافق والمشادات الناتجة عن المشاكل المالية والمعاملة السيئة بما في ذلك الاعتداء البدني والزنا وعدم تلبية أي من الزوجين لواجبات الزواج، خصوصاً عدم اتمام العمل الذي تتطلبه العائلة. في بعض الحالات كانت الزوجة تطلب الطلاق اذا لم يعجبها المنزل الذي أشتراه الزوج لها، وكان الزوج يطلبه اذا لم تنجب الزوجة له بنون. [18]

بعد الطلاق كان لكلا الزوجين الزواج من جديد. بالنسبة للعثمانيات من غير المسلمات الذين حرم عليهن دينهن الطلاق، فإن اعتناق الاسلام كان شائعاً كوسيلة للخلاص من زواجهن غير الموفق.

هل تحتاج المسلمات للنسوية؟

كما رأينا، فإن نساء الخلافة العثمانية لم يلزمهن النسوية لكي يحصلن على حقوقهن التي منحها لهن خالقهن. لم تحفظ الخلافة العثمانية حقوق الرجال والنساء المسلمات فحسب، بل انها شملت المجموعات المختلفة والكثير من النساء غير المسلمات الاتي يعشن تحت حمايتها. يلزم التأكيد أن هذه العدالة والرخاء بين الرجال والنساء سبق ظهور النسوية في الغرب واستمر حتى وقت قريب (بدايات القرن العشرين). بخلاف النساء في الغرب ما بعد التنوير، فإن النساء المسلمات لم يتحجن للحلول المرقعة المتحيزة لجنس دون اخر الذي أتت به النسوية لكي يحصلن على حقوقهن العادلة التي منحتها إياهن الخلافة الإسلامية. يبدو أن النساء الغربيات اخترعن النسوية بسبب يأسهن إذ لم يكن لديهن الإسلام. لذا حري أن نسأل أنفسنا: اذا وجدت المرأة المسلمة دينها كافياً للحصول على حقوقها، فما حاجتهن للنسوية؟

Footnotes:

[1] Elizabeth Craven (Baroness), A Journey Through the Crimea to Constantinople: In a Series of Letters from the Right Honourable Elizabeth Lady Craven to His Serene Highness The Margrave of Brandebourg, Anspach, and Bareith, London.

[2] William Blackstone, Commentaries on the Laws of England (Vol. 1, 1765, pages 442-445)

[3] Charles Dickens, Oliver Twist, 1838, chapter 51

[4] http://www.capitalpunishmentuk.org/burning.html

[5] The Law: Up from Coverture, Time Magazine, published Monday, March 20, 1972, accessed at http://www.time.com/time/magazine/article/0,9171,942533,00.html

[6] Jenie R. Ebeling, Lynda Garland, Guity Nashat, Eric R. Dursteler West AsiaThe Oxford Encyclopedia of Women in World History. Ed Bonnie G. Smith. Oxford University Press, 2008. Brigham Young University (BYU). 1 November 2010

[7] Ebeling, Garland, Nashat, and Dursteler

[8] Colin Imber, The Ottoman Empire, 1300-1650: The Structure of Power, New York: Palgrave Macmillan, 2002

[9] Mehrdad Kia, Daily Life in The Ottoman Empire, Greenwood, 2011

[10] Kia, M.

[11] Ebeling, Garland, Nashat, and Dursteler

[12] Ibid.

[13] Ibid.

[14] Bernard Capp, Bigamous Marriage in Early Modern England, University of Warwick, 2009

[15] Ebeling, Garland, Nashat, and Dursteler

[16] Kia, M.

[17] Ebeling, Garland, Nashat, and Dursteler

[18] Justin McCarthy, The Ottoman Turks: An Introductory History to 1923 (London, New York: Wesley Longman Limited, 1997)

Leave a comment